-A +A
عبدالله الغضوي (إسطنبول) GhadawiAbdullah@
بقيت محافظة دير الزور آخر العقبات في مسيرة الأزمة السورية، وهي تترقب مصيرها المجهول على ضفتي الفرات بعد النهاية المرتقبة لداعش. لقد شملت التفاهمات الدولية في سورية كل المناطق باستثناء محافظة دير الزور (أقصى الشرق السوري)، بينما انتهت مناطق أخرى من سورية بسيطرة قوات النظام من خلال المصالحات مثل درعا والغوطة وغيرهما من المناطق السورية الأخرى. بينما تم تجميد الوضع في إدلب إلا أن الحالة في دير الزور ظلت معلقة من دون معالجة حتى الآن، ما أدى إلى تعقيد الحالة فيما تستمر القوى الدولية والإقليمية ترسم سياستها على أمل استكمال السيطرة على هذه المحافظة الحدودية مع العراق والغنية بالنفط والثروات الباطنية.

في الشهر الماضي عقدت جامعة جورج تاون الأمريكية جلسة غير معلنة تبحث مصير هذه المحافظة ما بعد داعش، وكانت هذه الجلسة برعاية رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري بمشاركة خبراء أمريكيين لوضع خريطة طريق لهذه المدينة أو في أسوأ الأحوال تصور يوضع مآلات هذه المدينة البعيدة عن أي تصور سياسي، لكنها في الوقت ذاته تعني الكثير للدول الموجودة على الأرض. وفي نهاية نوفمبر الماضي، عقدت مجموعة سليمان الشيخ (المعنية بحل النزاعات الدولية) ورشة عمل في هولندا جمعت شيوخ القبائل من دير الزور والجزيرة السورية لخلق حالة من التفاهم بين مكونات المنطقة الاجتماعية. بريطانيا أيضا بدأت الاقتراب من دهاليز ما يجري في دير الزور، وهي تسعى من خلال برامج التنمية الاقتصادية إعادة الاستقرار إلى المناطق التي تحررت حديثا من سيطرة داعش في شرقي الفرات.


إيران في المقابل، بدأت بتجنيد الشبان في المنطقة (غربي الفرات) وتشكيل ما يسمى بلجان محلية تحت الإدارة الإيرانية، فيما تعمل على نسج علاقات مع شيوخ العشائر على الضفة الثانية من النهر.. وبطبيعة الحال هناك قوات سورية الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تخوض آخر معاركها ضد تنظيم داعش في بقعة صغيرة لا تتجاوز 30 كيلو مترا مربعا. كل هذه القوى لا تعرف ما هو المخرج أو سيناريو دور الزور، وتعمل على تهيئة الظروف فقط لاستكمال مشروعها، وربما يجب القول على أن المطامع الكبرى للجانب الإيراني الذي ينظر بأهمية بالغة إلى هذه المنطقة باعتبارها امتدادا لمليشيات الحشد الشعبي العراقي وكذلك ورقة ضغط على القواعد الأمريكية التي لا تبعد أكثر من 40 كيلو مترا عن مليشيات الحرس الثوري الإيراني.

أمام هذا التداخل المعقد للقوى اللاعبة في دير الزور، تصبح هذه المدينة مهددة بالانفجار في أية لحظة، خصوصا أن غربي النهر يشكل التحالف الإيراني الروسي والنظام السوري، بينما شرقي النهر يشكل الأكراد والتحالف الدولي. العامل الوحيد الذي يؤجل اصطدام هذه القوى أو العمل بمشاريعها الخاصة هو استمرار بقاء داعش، لذلك فإن لحظة النهاية للتنظيم في البوكمال هي لحظة البداية لاحتكاك كل هذه القوى على الأرض. ورغم كل هذا التهافت الدولي على دير الزور، إلا أنه ما من قوة دولية أو محلية قادرة على رسم مسار هذه المنطقة بما فيها القوى المحلية التي أُجبرت على تقسيم الولاء على ضفتي النهر.